هذه مساجلة أخرى حول أساليب الكتابة بين أدباء الشام، بدأها محمد كرد علي في نقد كتاب "قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث" لجمال الدين١ القاسمي وهاجم طريقة المؤلف وأنحى باللائمة على الكتاب الذين قدموا كتابه وهم ثلاثة من بينهم شكيب أرسلان، وقال: إن هذه المقدمات لم يخرج الكلام في بعضها عن الدعاية والتمجيد، في حين أن الكتاب لم يأت بجديد وأن المؤلف "قتصر على نقل كلام غيره من أول الكتاب إلى آخره" وقال: "كأن هذا السفر كان مجموعة من مفكرات يريد واضعها أن يضع كتابا في هذا الفن ويقتبس أقوال المؤلفين الذين درجوا. وقال: إن القاسمي جرى على طريقة الأقدمين في الجمع والنقل "فاكتفى في أكثر تآليفه ببسط آراء غيره".
وقال: إن طريقة التأليف اليوم هي الإنجاز من دون إشلاء بالمعاني، وبأسلوب سهل صائغ خال من الخطابيات والسجع".
ولما كان الأمير شكيب أرسلان أحد كتاب هذه المقدمات فقد دخل في سجال مع محمد كرد علي حول الأسلوب العربي وتطوره على هذا النحو:
١- من شكيب أرسلان إلى كرد علي:
إنني في كتابتي عن الشيخ جمال القاسمي رحمه الله لم أدخل في علم الحديث دخول من تصدى لترجيح أو تجريح وخاض في الحديث خوض من يعلمه، بل بقيت واقفًا على الشاطئ على حين أن محمدًا الكرد علي دخل في الموضوع وحكم فيه حكمه. وهو مع ذلك يقول: إنني أنا وإياه لسنا من هذا العلم في ورد ولا صدر. فإذا كان الأمر كذلك فما كان أحراه بأن يترك انتقاد كتاب مؤلف في الحديث الشريف وقد أطنب في وصفه مثل الأستاذ السيد رشيد رضا رحمه الله الذي إذا تكلم في هذا الفن يقال: القول ما قالت خذام.