للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان أكثر كلامي في محاسن الأستاذ جمال القاسمي تغمده الله برحمته، فإن كنت لست من علماء الحديث فإني لست جاهلا معرفة الرجال ولا مسلوبا مزية التمييز بينهم ولولا حسن فراستي ما كان الأستاذ كرد علي عظيما في عيني وقد اخترته لإخائي منذ اثنين وأربعين سنة.

أما السجع وما أدراك ما السجع، فالكلام العربي ينقسم إلى مرسل ومسجع، وموزون ومقفى. ولكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة مقام يجيء فيه أكثر من غيره والمرسل هو الكلام المعتاد الطبيعي الذي به أكثر تفاهم الناطقين بالضاد والموزون المقفى هو الشعر الذي لا رونق للغات بدونه.

والسجع وسط بين المرسل والموزون، وله وقع في النفوس لا جدال فيه ويكفيه من الشرف أن كتاب الله أنزل بهذه الطريقة. وأنه نهج البلاغة وكثير من كلام أفصح العرب هو من النوع المسجع.

فإن كانت اللغات الأوروبية ليس فيها سجع إلا من ندر فليس هذا بحجة على اللغة العربية فلكل لغة خواص تمتاز هي بها، وقد خلق الله الناس أذواقا مختلفة وجعل لكل أناس مشربهم والعرب غير العجم والشرق غير الغرب.

إن هناك غمزا بالسجع. وليس الأخ "كرد علي" وحده الذي بدأ بهذا الغمز، بل إن أحد الأصحاب أطلعني على كتاب للدكتور زكي مبارك لمحت فيه كلامًا يشبه أن يكون استصغارًا للسجع أو استكبارًا لإتيانه، وهذا باب جديد عجيب إذا أردنا أن ندخل فيه يطول بنا الأمر.

ولم نعلم أحدًا عاب السجع من حيث هو، وإنما يعاب السجع بالنسبة إلى المقام الذي يستعمله فيه الكاتب. أي إنه لما كان السجع تقييدا بفواصل

<<  <   >  >>