والكتاب الاجتماعيون يعيشون في عالم الواقع كما يعيش رجال القوانين، ولذلك نراهم يهتمون بشئون لا يلتفت إليها أحد من الشعراء، والأستاذ سلامة موسى كاتب اجتماعي وليس بأديب واللغة عنده ليست إلا أداة تفاهم وكل تأنق في العبارة يبدو لعينيه وكأنه لغو وإسراف. والأدب القديم لا يمكن أن يحتل رأسًا مثل رأس الأستاذ سلامة موسى.
أما الأديب -وارحمتاه للأديب- فهو إنسان لا يعرف غير عالم المعاني وليس للدنيا في نفسه حدود ولا تواريخ فهو يلتمس الحكمة حيث وقعت، الحكمة الجميلة التي تحمل طابع الحق والخير والجمال.
الذي يهمني أن أقرر أن الأديب لا يشوقه غير المعاني، وهو من أجل ذلك لا يتقيد بالحدود التاريخية والجغرافية وهو لا يعنى بالمشاكل إلا من الوجهة الإنسانية. أما الأوضاع الاجتماعية فموقفه منها موقف الوصاف الذي يشرح المحاسن والعيوب.
وهذا لا يمنع أن يكون الأديب من أهل الكفاح، وهو حين يكافح يصبح قوة خطرة في الحياة الاجتماعية لأنه يحلق دائما في الأجواء العالية ولا يقنع بالقليل.
٢- قد يكون سلامة موسى في دينه أصدق مني في ديني والله أعلم بالسرائر، ولكن من المؤكد أني أصدق منه في الوطنية، فأنا أحرص على اللغة العربية والإسلام خدمة لوطني. وأنا أغض النظر عن هفوات كبيرة لرجال الدين لأنهم على أي حال من الشواهد على أن وطني له سلطة روحية، وقد تطوع المسلمون في مصر لمعاونة الأحباش أيام محنتهم بعدوان الطليان بغرض وطني هو الشعور بأن الكنيسة القبطية لها سلطات روحية على عقائد الأحباش.