أتباعهم تخلوا عنهم في وقت الضيق، ومن عطف عليهم فعطف أفلاطوني، عطف يتبخر، وكان الرأي العام قويا مسلحا فتغلب وانتقم وأصبحت له السلطة التامة، وانهزم أمامه فريق المفكرين الصرحاء هزيمة منكرة. ولم تكن له أمثلة كثيرة في تاريخه القريب فاضطر إلى التسليم، وتعود المجاراة بدل المقاومة، والمداراة مكان الصراحة. فلم يعد هناك معسكران ولم يعد صراع وإنما هو معسكر واحد ولا قتال، وتعلم الجيل اللاحق مع الجيل السابق فاختط خطته ونهج منهجه وأخذ الدرس عن أخيه الأكبر ففضل السلامة. وبذلك اختنق النقد الأدبي في مهده وأصبح الأدب مدرسة واحدة يختلف أفرادها اختلافا طفيفا، في العرض لا في الجوهر. ولا أمل في عودة النقد الصريح إلا ببذرة جديدة وروح جديد على شرط أن تكون البذرة صلبة تتحمل حوادث الدهر وعوادي الأيام.
ويتصل بهذا أن الأدباء عندنا صنفان: صنف نضج وتكون واستوى على عرش الأدب, وهؤلاء هم القادة، وهم أفراد معدودون تسالموا وتهادنوا وحرمنا ما بينهم من خصومة أدبية وعلمية، وصنف ناشئ في طور التكوين وهو يخشى أن يتعرض لمن استوى على العرش فيبطش به بطشة جبارة تقضي عليه، فلما جامل الكبراء بعضهم بعضا، وخاف الناشئون من الكبراء ضاع النقد بين هؤلاء وهؤلاء".
٢- طه حسين ١:
فأنت ترى أن جماعة النقاد الذين كانت إليهم قيادة الرأي الأدبي أو قيادة الحياة العقلية منذ حين قد اصطنعوا الشجاعة أول أمرهم. وآثروا الصراحة