للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعال أيها الأخ العزيز نبحث معا عن هؤلاء الكتاب أين كانوا في ذلك الوقت؟ وماذا صنعوا؟ وإلى أي حد جاروا وداروا وآثروا العافية؟ لست في حاجة أن أسميهم فأنت تعرفهم كما يعرفهم الناس جميعا. لم يكن لأكثرهم منصب من المناصب، فلما عصفت العاصفة أقصيت عن هذا المنصب فأدركت الزملاء ووقفت معهم حيث كانوا يقفون، ومضينا جميعا إلى حيث كان يحب أن نمضي واحتملنا جميعا ما كان ينبغي أن نحتمل من الأثقال. فكنا أيها الأخ العزيز ألسنة الساسة وسيوف القادة والسفراء بينهم وبين الشعب, وكنا سياطا في أيدي الشعب يمزق بها جلود الظالمين تمزيقا.

وكنتم تعجبون منا بذلك وتحمدونه لنا وتؤيدوننا فيه, وكنتم تقومون على الشاطئ وتروننا ونحن نغالب الأمواج ونقاوم العواصف نظهر عليها حينا وتظهر علينا أحيانا فكان بعض الناس يصفق لنا إذا خلا إلى نفسه لا إذا رآه الناس ويعطف علينا إذا لم يحس السلطان منه هذا العطف ولست أزعم أني قد استأثرت بهذا الفضل فقد كان نصيبي منه أقل من نصيب كثير من الزملاء. لم أدخل السجن وقد دخله منهم من دخله.

أترى أن مواقفنا تلك كانت مواقف المنهزمين؟ إننا شغلنا عن النقد الأدبي بأنفسنا وأموالنا وإيثارنا للعافية ومجاراتنا للسلطان.

والغريب أن أريك هذا في إخوانك الكتاب يظهر أنه قد أعجبك حتى ألهاك عن حقائق ما كان ينبغي أن تلهو عنها. فهؤلاء الكتاب المنهزمون في رأيك لم تشغلهم هذه السياسة العنيفة المنكرة عن الأدب ولا عن النقد.

وإنك لتعلم أنهم جميعا كانوا يخاصمون في السياسة وجه النهار، ثم يفرغون

<<  <   >  >>