أن يتدله في الجمال الصوري ثم أن يعود فيضرب بهذا كله عرض الحائط ويدرس عاطفة تحقره كل الاحتقار.
ولسنا ننسى ما جره تدخل الأدباء فيما ليس من اختصاصهم في العشر السنين الأخيرة في المباحث الدينية فقد تناولوها على طريقة الماديين وأثاروا فيها شكوكا لا محل لها لو كانوا عنوا بدراستها دراسة علمية, فكان من أثر ذلك أن أهاجوا الناس عليهم هياجا مشروعا فخرجوا من هذه المعمعة على غير ما كنا نرجوه لهم.
ولا ندري كيف ساغ للدكتور هيكل أن يقع في هذا الخطأ بعد ما رأى من التجربة المؤلمة، وهو بكتابه يرمي إلى تأييد الدين لا إلى إفساد عقائد الناس فيه وإثارة الشبهات عليه ولا إلى قطع صلة الماضي بالحاضر منه.
ومن الأمثلة القريبة على ذلك أن إماما من أئمة الأدب في بلادنا انتدب لألقاء خمس محاضرات في الجامعة الأمريكية عن الأدب في العصر الأموي فكان مما قاله: إن الخليفة الوليد بن يزيد إنما قتل لأنه كان يود أن يعيش على ما تقتضيه الحضارة فكان جزاؤه أن لقي حتفه.
فإيراد التاريخ على هذه الوجهة جناية على التاريخ وعلى الحقائق الاجتماعية ويشين الدين الذي ينتمي إليه الخليفة، فالذين لم يدرسوا تاريخ بني أمية دراسة علمية ولم يقعوا على سيرة هذا الخليفة يصدقون هذا الحديث ويستنكرون ما حدث له.
والحقيقة أن الوليد هذا كان متجردًا للهو والبطالة، شغوفا بالفسوق والإباحة مستخفا بالدين مجاهرًا بالكفر. فهل هذه السيرة المعوجة من إهمال الرعية والانقطاع إلى اللهو يعتبر من مقتضيات الحضارة١.