كاتب وينسج على كل منوال وحسب المرء أن يجعل نظره في كلامه ليدرك ذلك إذا كان على شيء من الاطلاع فإذا لم يكن فهو لا يعيبه أن يرى أنه يستعمل اللغة جزافًا.
ولعله من أسباب ضعفه العديدة أنه يقرأ حتى كتب العفاريت وقصص السحرة والمردة والجان لما وقع في نفسه أن هذا حقيق أن يقوي خياله ويجعل له أجنحة يحلق بها في سماء الشعر.
وقد ركب شكري هذا الجهل متكلفا ما لا يحسن وأراد أن يكون شاعرًا وكاتبًا من الطراز الأول وظن أن الاجتهاد يغني عن الاستعداد فلا هو بلغ إلى درجة مما طمع فيه ولا هو أبقى على خلقه الوداع وقناعة بميسور العيش.
لا نقول: إن شكري مجنون، فنحن أرفق من أن نصدمه بذلك وأعرف بحاله، وبأمراض العقل من أن نهيجه إلى الخيال بالإيحاء والتذكير والإلحاح.
ولكننا نقول: إن ذهنه متجه إلى هذا الخاطر -خاطر الجنون- وأن فكرته مالئة لجو حياته والخوف منه منغص عليه كل لذاته.
وقلنا: إن ذهن شكري متجه إلى هذا المعنى وقد يكون هذا غير راجع إلى علة أصيلة فيه إلى ما يجسم نفسه من المتاعب ويحمل عليها ويرهقها به كأنه يكتب جزءًا من ديوانه في شهر واحد حتى كأنما هو مأجور على ذلك مشروط عليه أن يتمه في وقت محدود, وقد كان نتيجة ما أصابه من الكلال أن حدثته نفسه بإحراقه بعد طبعه.
إن لشكري كتابين غير دواوينه١ أحدهما اسمه الاعترافات وليس فيه ما يستحق الذكر إلا أنه وصفه بأنه أحلام مجنون والآخر رواية اسمها الحلاق المجنون وهي كذلك تافهة لا قيمة لها.
١ ملخص من ١٥ ص الجزء الأول "الديوان" من ص٤٨ إلى ص٦٢.