للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه لن يفلح ولا يجيء به إلا فضولا مكرها أن يكون شعرا, ولعله لا يدري أن أكثر ما يحرص عليه من نظمه يتفق أحسن منه لكثير من كبار الشعراء فينفونه ويهذبون شعرهم منه، ذلك أن الفكر يأتي بمادة القصيدة ثم يصورها الطبع ويصوغها ثم يأتي الذوق فيهذبها كما يهذب صانع التمثال تمثاله، ولقد كنت أقرأ "وحي الأربعين" وما يخطر لي إلا أن أكثره أبيات كان العقاد أسقطها من قصائده القديمة ثم فتنه الحرص فجمعها ديوانا ولو هو سمى الحقيقة باسمها لكان اسم ديوانه "الحثالة".

ذلك السر الذي أومأنا إليه هو أن العقاد يحترف الصحافة السياسية من أول نشأته وهو عمل الساعة ولغة الجمهور وأساليبها في نقل الأخبار بعضها من بعض معروفة. وأساس كل بيان فيها قيام المعنى لمحض الدلالة التي يحملها لا للسمو بها, وفي أساليب صناعة الحكاية لا في أساليب صناعة البلاغة وعلى سياسة الواقع لا على سياسة الارتفاع بالواقع، وما زعم أحد أن الصحافة السياسية أنشئت للشعر ولغته وبيانه وفلسفته، فهي في خاص معناها وافية بما وجدت له وهي الحق كل الحق في غايتها وسبيلها إلى هذه الغاية، ولكن شر ما في الباطن وأبعد ما في المستحيل إذا أريدت على أن ينبع باحترامها الشاعر العبقري مبدع اللغة في مادة فنها البياني وحكم النفس القائم على سياستها الداخلية والخارجية وملك الطبيعة الذي قيل له من الأزل إن قوة الملوك السلاح للفتك والموت وقوتك أنت الكلمة الجميلة التأثير والحياة.

إن ما نراه في شعر العقاد من أثر كل ذلك، معان ملخصة وقصائد هي مقالات فسدت فصارت نظما وصناعة من القلم للماكينة لا ننكر أن يكون المعنى تحصيل الحاصل أو يكون من المعاني التي لا توجد حضري ولا همجي إلا عرفها من هذه الأصول التي بيناها ترى أكثر شعر العقاد أو كل شعره يعتريه ما يعتري

<<  <   >  >>