رغبات طبائعهم، لقد حرم الدين والشراب، فأحلوا هم الشراب في قصور الخلفاء، وما وصفت الخمر ولا مجالس الخمر في أدب أمة بأحسن مما وصفت في الأدب العربي، أما النحت والتصوير الكبير فليس في طبيعتهم لأن تلك فنون تتطلب فيمن يزاولها إحساسًا عميقا بالتناسق العام مبناه التأمل الطويل والوعي الداخلي للكل في الجزء وللجزء في الكل، وليس هذا عند العرب فهم لا يرون إلا الجزء المنفصل وهم يستمتعون بكل جزء على انفراد، لا حاجة لهم بالبناء الكامل المتسق في الأدب, لأنهم لا يحتاجون إلا للذة الجزء واللحظة، قليل من الكتب العربية في الأدب تقوم على موضوع واحد متصل، إنما أكثر الكتب كشاكيل في شتى الموضوعات تأخذ من كل شيء بطرف سريع، من حكمة وأخلاق ودين ولهو وشعر ونثر ومأكل ومشرب وفوائد طبية ولذة جسدية.
وحتى إذ يترجمون عن غيرهم يسقطون كل أدب قائم على البناء فلم ينقلوا ملحمة واحدة ولا تراجيديا واحدة ولا قصة واحدة.
العقلية العربية لا تشعر بالوحدة الفنية في العمل الفني الكبير، لأنها تتعجل اللذة، يكفيها بيت شعر واحد أو حكمة واحدة أو لفظ واحد أو زخرف واحد لتمتلئ طربا وإعجابا لهذا قصر العرب وظيفة الفن على ما نرى من الترف الدنيوي وإشباع لذات الحس، حتى الحكمة وشعراء الحكمة, كانوا يؤدون عين الوظيفة، إشباع لذة المنطق، والمنطق جمال دنيوي.
من المستحيل إذن أن نرى في الحضارة العربية كلها أي ميل لشئون الروح والفكر بالمعنى الذي تفهمه مصر والهند من كلمتي الروح والفكر.
إن العرب أمة عجيبة، تحقق حلمها في هذه الحياة، فتشبثت به تشبث