وتبرم حضرته من تعدد اللهجات العربية وأنا أبشره بأن هذه اللهجات يقل عددها ولا يزيد كما ادعى، إننا نقترب كل يوم من الفصحى بفضل المدرسة والجريدة والكتاب والخطبة والمذياع, أي أن اللهجة الدارجة تتضاءل أمام اللغة الأدبية، والفصحى تتغلب على العامية اليوم بعد اليوم.
ومن الحجج التي أدلي بها لإثبات قضيته التمثيل لنا بالأتراك وهي في الواقع حجة عليه لا له. فالأتراك لما أخذوا بالحروف اللاتينية وقضوا على الأمية فيما زعموا بهذه البدعة الجديدة التي ابتدعوها قطعوا كل صلة بينهم وبين ماضيهم وعمر هذا الماضي لا يقل عن ستمائة سنة. وشأن العربية غير شأن التركية لأن العربية تمثل تراث العالم الإسلامي كله وإذا عملنا عمل الأتراك نقضي على تراث علمي وأدبي وديني دام مطردًا خمسة عشر قرنا مما لم يعهد لأمة مثله ومعنى ذلك الزهد فيما خلفه العرب من آثار، والقضاء على مشخصاتنا وهو ما لا يرضى بذلك عربي مسلم.
خسر الأتراك أي خسارة بما أتوا من العبث بلغتهم فلا نريد أن نتقبل مثالهم ولا يجوز لأنفسنا الاقتداء بأهل لغة من اللغات فمنحانا غير منحاهم ولغتنا تتسامى عن جميع لغات الشرق.
إن الصعوبة الموهومة في لغتنا ما وقفت في سورية دون تعليم الرجل البالغ من ابن العشرين إلى الخمسين في المدارس الليلية التي أنشأناها بما أخرجناه به في أربعة أشهر من الأمية.
إذن؛ فالعربية ليست من الصعوبة بخطها على ما يزعم رصيفي والعرب إذا قصروا في التصوير فقد عوضوا عنه هذا الخط الجميل والنقوش, واللبس