للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان لكثرة الغزوات التي غزاها السلمون إلى جنوب فرنسا وغيرها من جزر البحر الأبيض وعودتهم بالسبايا وفيها الجواري الحسان التي ثقفت ثقافة أدبية عالية أثر على النفس العربية المرهفة الحس نحو الجمال فانطلقت خواطر الشعراء وجادت قرائح الأدباء وانبثقت العواطف الإنسانية، بعض التزم الجادة، وآخر لم يحكمه زمام العقل وقيود الفكر وجلال الشرع. وقد جمع أبو محمد بن حزم مادة كتابه "طوق الحمامة" من هذا المجتمع الملىء بالعناصر المختلفة فكل ما يقرره فيه مستمد منه، وقد صور هذا أتم تصوير وأحكمه وذكر الوقائع المؤيدة والشاهدة لذلك. ثم إنه - رحمه الله - صورة صادقة للفضيلة الإنسانية في مجتمعه، وكان قلبه يفيض بالأحاسيس نحو الجمال، ولكن في دائرة الحلال لا يعدوها فهو لم يرتكب حرامًا ولم يرتع في مراتع الحرام، وقد أقسم بالأيمان المغلظة أنه لم يحل إزاره على حرام. (١)

وقد عاش المجتمع الأندلسي القرن الرابع الهجري كاملًا في هدوء واستقرار وأمن وازدهار. وكان قمة عهد المسلمين في الأندلس ما قبله صعود انتهى إليه وما بعده انحدار ابتدأ منه وقد عاش المسلمون في هذا القرن حياة عز ورفعة وجاه. وقد رتعوا في بحبوحة من العيش. رغد ورخاء دائم ونعيم مقيم. وقد طغت على المجتمع مظاهر البذخ والترف وتشييد القصور وتحسين الطرقات وتجميل المنتزهات، حيث اتسعت أبواب العيش وكثرة الموارد عندهم حتى إنهم أصبحوا، يستقبحون التسول، وإذا رأوا شخصًا صحيحًا قادرًا


(١) انظر طوق الحمامة لابن حزم ص ٢٧٤، ٢٧٥.

<<  <   >  >>