للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك ما يرى في ليف النخل والدوم من النسج المصنوع يقينًا بنيرين (١) وسدى (٢) كالذي يصنعه النساج ما تنقصنا إلا رؤية الصانع فقط وليس هذا البتة من فعل طبيعة ولا بنسج ناسج ولا بناء ولا صانع أصباغ مرتبة. بل هو صنعة صانع مختار قاصد إلى ذلك غير ذي طبيعة لكنه قادر على ما يشاء هذا أمر معلوم بضرورة العقل وأوله يقينًا كما نعلم أن الثلاثة أكثر من الاثنين فصح بكل هذا أن العالم كله محدث وأن له محدثًا هو غيره. وهو الله الخالق الأول الواحد الحق الذي لا يشبه شيئًا من خلقه البتة لا إله إلا هو الواحد القهار. (٣)

إن هذا المسلك الذي سلكه أبو محمد بن حزم في الاستدلال على حدوث العالم - ثم إثبات المحدث له - بتناهي مكوناته. ليس مسلكًا جديدًا فقد قال به يعقوب بن إسحق الكندي، (٤) فبينه في كثير من رسائله، واهتم بعرضه وتفصيله، وقال به أيضًا أبو منصور


(١) النيرين القصب والخيوط إذا اجتمعت، وعلم الثوب جمع أنيار. ونرت الثوب نيرًا ونيرته وأنرته جعلت له نيرا. وهدب الثوب ولحمته. انظر: القاموس ج ٢ ص ١٥١.
(٢) السدى بفتح السين ضد اللحمة، والسداة مثله تقول منه أسدى الثوب ويقال سدى الثوب يسديه وستاه يستيه. انظر مختار الصحاح ص ٢٩٢، ٢٩٣ ولسان العرب ج ١٩ ص ٩١. والقاموس ج ٤ ص ٣٤١.
(٣) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ج ١ ص ٢٢، ٢٣.
(٤) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندى، له معرفة واسعة في العلوم القديمة، ويسمى فيلسوف العرب وله كتب في علوم مختلفة مثل المنطق والفلسفة والهندسة والحساب، والموسيقى والنجوم وغير ذلك. انظر الفهرست لابن النديم ص ٣٥٧ - ٣٦٥. ولسان الميزان ج ٦ ص ٣٥٥.

<<  <   >  >>