للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام أبو الحسن الأشعرى: "لو كان معنى قوله عز وجل "بيدي" نعمتي لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفنا لأن الله عز وجل قد ابتدأ إبليس على قولهم كما ابتدأ بذلك آدم عليه السلام وليس يخلو النعمتان أن يكون علا بهما بدن آدم فالأبدان عند مخالفنا من المعتزلة جنس واحد، وإذا كانت الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم عليه السلام، وكذلك إن عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم من لون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس، وهذا يوجب أنه لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك .. وإنما احتج على إبليس بذلك ليريه أن لآدم عليه السلام في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز وجل لما قال "لما خلقت بيدى" لم يعنى نعمتى" (١).

ويبعد تأويل اليد بالنعمة قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (٢).

إذ لو كان معنى اليد النعمة لقرئت الآية "بل يداه مبسوطة أو منبسطة" لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ومحال أن تكون نعمتين لا أكثر فهما يدان حقيقة والآية جاءت تكذيبا لليهود حين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}. فقال تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} ولا يقول أحد أن معنى {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} غلت نعمهم، ولم يرد اليهود أيضا بقولهم {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أي نعمه مغلولة فهم أرادوا اليد حقيقة. ورد الله عليهم


(١) الإبانة للأشعري (ص ٣٦)، وانظر الإعتقاد البيهقي (ص ٢٩، ٣٠) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (١٣: ٣٩٤).
(٢) سورة المائدة: آية (٦٤).

<<  <   >  >>