للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلقه الله تعالى بقدرته هو وسائر مخلوقاته. ولما أراد الله عز وجل تفضيل آدم على إبليس بخلقه له "بيده" قال لإبليس موبخا استكباره على آدم أن يسجد له: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ} (١). فدل على أنه ليس معنى الآية القدرة إذا كان الله عز وجل خلق الأشياء جميعا بقدرته وهذا ما فهمه موسى عليه السلام حين قال لآدم عليه السلام "أنت آدم الذي خلقك الله بيده" حيث جعل خلق الله تبارك وتعالى له بيده من خصائصه وكذلك قول آدم لموسى عليه السلام: "اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده" فجعل هذا من خصائصه ولو كانت اليد هنا بمعنى القدرة لم يكن لهذا معنى (٢).

ويقال لهم بعد هذا: لم أنكرتم أن يكون الله عز وجل عنى بقوله "خلقت بيدى" يدين ليستا نعمتين ولا قدرتين.

فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن بمعنى النعمة ولا بمعنى القوة لم تكن إلا جارحة، والجوارح من خصائص الأجسام والله منزه عن ذلك تعالى وتقدس.

قلنا: ولم حكمتم بأن اليد إذا لم تكن نعمة ولا قوة لم تكن إلا جارحة؟ فإن كنتم بنيتم ذلك على الشاهد، وقضيتم به على الله تعالى فنحن كذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما، ولم نجد مدبرا حكيما إلا إنسانا فاقضوا بذلك على الله تعالى. وإلا ثبت


(١) سورة ص: آية (٧٥).
(٢) انظر الإبانة للأشعري (ص ٣٥، ٣٦)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص ٨٧)، كتاب الشريعة للآجرى (ص ٣٢٣ - ٣٢٥)، الإعتقاد للبيهقي (ص ٢٩، ٣٠)، التفسير القيم لابن القيم (ص ٤٢٢)، فتح الباري لابن حجر (١٣: ٣٩٣، ٣٩٤)، شرح الواسطية (ص ٥٦).

<<  <   >  >>