للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما استدلال ابن حزم على مذهبه بما في الحديث، من أن الله تعالى يخلق خلقا يدخلهم الجنة، وأنه تعالى يقول للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها، فمعنى القدم في الحديث إنما هو كما قال تعالى {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (١) يريد سالف صدق فمعناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم فليس صحيحا، لأن في الحديث الوعد بالملء للجنة والنار. وأن الله يخلق خلقا يدخلهم الجنة - وليس في الحديث ذلك بالنسبة للنار، وإنما الذي فيه أدن الله يضع قدمه فيها أو عليها، ولو كان يخلق للنار خلقا يعذبهم، كما يخلق للجنة خلقا ينعمهم - لقال صلى الله عليه وسلم في الحديث: إن الله يخلق خلقا يدخلهم الجنة، ويخلق خلقا يدخلهم النار، أو أن الجنة والنار لا تمتلئان حتى يضع الله فيهما قدمه أو رجله. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فليس هو المقصود.

والذين تدل عليهم الآية "أن لهم قدم صدق" هم غير من يخلقون لملء الجنة، فهم ممن سبقت لهم البشارة وهم الذين آمنوا، ومن يخلق لملء الجنة لم يسبق له إيمان.

وفى معنى قوله تعالى "قدم صدق" قيل إنها الأعمال الصالحة أو الثواب، أو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين. (٢)

فإن قيل: إن الله تعالى ذكر أنه يخلق خلقا لملء الجنة، وهذا بين الدلالة. وقال: إنه يضع قدمه على النار فتمتلىء، وهذا غير ظاهر الدلالة فنحمل ما ورد مجملا من ذلك على ما ورد مفصلا.

قلنا: إن قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث: "يضع رب العزة فيها قدمه" ظاهر الدلالة لا إجمال فيه، وقد بين المراد صلى الله


(١) سورة يونس آية (٢).
(٢) انظر التفسير الكبير للرازي (١٧: ٧).

<<  <   >  >>