للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول بهذين القولين.

وأما رده على من استدل بقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. (١) بأن الله في مكان دون مكان، فلا نوافقه على هذا النفى المطلق وإنما نقول إن لفظ مكان من الألفاظ المجملة التي تحتمل معاني يصح إطلاقها على الله تعالى، وأخرى ينزه الله عز وجل عنها لأنها من صفات المحدثين، ومن سمات المربوبين.

يقول ابن تيمية: "قد يراد بالمكان ما يحوى الشىء، ويحيط به وقد يراد به ما يستقر الشىء عليه بحيث يكون محتاجا إليه وقد يراد به ما كان الشىء فوقه وإن لم يكن محتاجا إليه، وقد يراد به ما فوق العالم وإن لم يكن شيئا موجودا.

فإن قيل هو في مكان بمعنى إحاطة غيره به، وافتقاره إلى غيره فالله منزه عن الحاجة إلى الغير وإحاطة الغير به ونحو ذلك.

وإن أريد بالمكان ما فوق العالم وما هو الرب فوقه. قيل إذا لم يكن إلا خالق أو مخلوق، والخالق بائن من المخلوق كان هو الظاهر الذي ليس فوقه شىء، وإذا قال القائل هو سبحانه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه فهذا المعنى حق سواء سميت ذلك مكانا أو لم تسمه. (٢)

وقول ابن تيمية هذا يوضح موقف السلف من القول بأن الله تعالى في مكان، ببيان الجائز عليه من معنى هذا الإِطلاق المجمل ثم إن مذهب السلف إثبات أن الله تعالى في جهة العلو بائن من خلقه


(١) سورة طه آية (٥).
(٢) منهاج السُّنة النبوية لابن تيمية (١: ١٨٣)، وانظر المنتقى من منهاج الاعتدال (ص ٨١)، مختصر الصواعق المرسلة (١: ١٥٥، ١١٦)، شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص ٧٥).

<<  <   >  >>