للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجب توزيع وقت الصبي بين الجد والترفيه واللعب حتى ينشأ الصبي في جوٍّ صحيٍّ ملائم, بعيد عن اليأس والملل, قريب من الطمأنينية والثقة بالنفس، ويجب أن يلاحظ ذلك الآباء والأمهات لما يصدر أحيانًا من الأولاد مما قد يثير غضبهم, أو يهيج انفعالاتهم ضد بنيهم, فيغتاظون منهم مما يتسبب في اتخاذ مواقف شديدة, ربما تترك في نفس الأولاد ضغائن وآثار سلبية سيئة لا تغادر أذهانهم, ولا تنمحي من ذاكرتهم في مستقبل أيامهم.

ويجدر بالآباء أن يتحلوا بالصبر والأناة وكظم الغيظ, ومحاولة علاج الأمور بالملاينة في غير ضعف, وبالحزم في غير سخط، ولنا في سلفنا الصالح خير المثل, ولنستمع إلى ما قاله يزيد بن معاوية حين أغضب أباه معاوية, حتى لم يذق معاوية طعم النوم ليلته, فلما أصبح أرسل في طلب الأحنف بن قيس لعله يخفف غضبه على ابنه يزيد:

قال يزيد بن معاوية: أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس, فلما وصل إليه قال: يا أبا بحر, ما تقول في الولد؟ قال: يا أمير المؤمين, ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة, وسماء ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة, فإن طلبوا أعطهم, وإن غضبوا فارضهم, يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقلًا ثقيلًَا، فيملوا حياتك، ويودوا فواتك, ويكرهوا قربك.

فقال له معاوية: لله أنت يا أحنف لقد دخلت علي وأنا مملوء غضبًا وغيظًا على يزيد، فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد, وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب، فأرسل يزيد إلى الأحنف بمائة ألف درهم ومائة ثوب, فقاسمه إياها على الشطر١.


١ الغزالي: إحياء علوم الدين, ٢/ ٢١٨.

<<  <   >  >>