في انجلترا وأوربا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الانتماء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته، فيتأرجحون في الوسط ممزقين".
وكان هذا بالطبع هو الهدف من الإرساليات المختلفة التي غزت بلادنا في صورة مدراس وجامعات، وفي البعثات الموجهة إلى أوروبا وإلى عواصم الدول المختلفة بالذات.
وفي هذا، قال جبران: إن الشباب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أمريكية قد تحول بالطبع إلى معتمد أمريكي، والشاب الذي تجرع رشفة من العلم يسوعية صار سفيرا لفرنسا، والشاب الذي لبس قيمصا من نسج مدرسة روسية أصبح ممثلا لروسيا، وكان هذا هو الحق إلى حد كبير، فقد غزا الغرب الشرق بجحافل من العلماء والمبشرين والمستشرقين والأثريين والصحفيين، وشيدت مؤسسات ضخمة في مختلف عواصم العالم الإسلامي؛ لفتح أبوابها لثقافة بلادها، وبدأ هذا النفوذ الفكري يعمل ويسيطر في مجالات المدرسة والجامعة والصحافة، والثقافة والتربية والطب والسينما والإذاعة.
وهكذا كان "التغريب" عملا خطيرا دقيقا، قوامه الحرب المنظمة للقيم التي عاشت عليها أمتنا، في أسلوب مغلف بالضباب، يحاول أن يثير غمامة كثيفة من التشكيك والتحقير والاستهانة بكل ما لدينا من قيم باسم "القديم" البالي الموروث، ولم تمض سنوات قليلة حتى كان أبرز المسيطرين على "الصحافة" في العالم العربي والإسلامي من هؤلاء المتنكرين لقيمنا الذاهبين مع التغريب؛ فقد كانت الصحف التي تعمل للمبادئ تسقط واحدة بعد الأخرى، بينما ظلت الصحف التي تخدم التغريب تقوى وتتوسع، وفي مجال "الترجمة" كان الهدف هو إذاعة القصة المكشوفة والآراء المسمومة، وفي الأدب بث فكر جديدة قوامه