للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ١. فكانت معجزته أن جعل من هؤلاء الأجلاف أمة متآخية من الآدميين بل أمة وسطا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتهدي البشرية إلى ما اهتدت إليه من الخير، وفي هذا دليل على قدرة الإسلام على تحضير النفوس وتهذيبها، ولم يكتفِ الإسلام بهذا وإنما فسح صدره فضم إليه كل مظاهر الحضارات والمدنيات التي وجدها في الأقطار المفتوحة وتبناها؛ تنبى الحضارات التي وجدها في مصر وفارس وبلاد الروم ما دامت لا تخالف عقيدته في وحدانية الله، ولا تصرف الناس عن الخير الذي يدعو إليه، وتبنى الحركات العلمية التي كانت لليونان من طب وفلك ورياضيات وطبيعيات وفلسفة ومنطق، وظلَّ يضيف إليها ما أثبت تعمق المسلمين في البحث والدرس والاشتغال بالعلم حتى تجمع كل هذا في الأندلس وصقلية وهو ما قامت عليه نهضة أوربا الحديثة واكتشافاتها في العلم والابتكار، فكل من يعرف جهود المسلمين في مختلف ألوان الفكر والمعرفة والعلوم لا يستطيع أن يدعي أن الإسلام وقف مرة في وجه أية حضارة نافعة"٢.

بنفس النظرة فإن الإسلام لا يقف من آية حضارة معاصرة موقف العداء طالما كانت تدعو إلى ما يدعو إليه من الخير، بل إنه يتقبل منها ما تستطيع أن تقدمه من فائدة، ويرفض ما فيها من شرور، ومن ثم فإن الإسلام لا يدعو بصورة من الصور إلى الانعزال الفكري أو المادي ولا يعادي الحضارات الأخرى عداء شخصيا أو عنصريا أو دينيا؛ لإيمانه بوحدة البشرية، واتصال الأواصر بين البشر من جميع الأجناس والألوان التي لا يقيم لتباينها وزنا؛ نتيجة لإيمانه بواحدانية الله والتساوي بين خلق الله في الحقوق والواجبات والمسئولية والجزاء العادل المرتب عليها.


١ سورة التوبة: آية ٩٧.
٢ د/ النعمان عبد المجيد القاضي: الإسلام عقيدة وحياة ص١٠٨ - مجموعة دراسات في الإسلام يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد ١٧٥ سنة ١٣٩٥هـ ١٩٧٥م.

<<  <   >  >>