الدين ليس بحجة على الإسلام وأن ما يرتكبه من فسوق لا يحسب عليه، أما عن أن الدين يأمر بمثل هذا التفاوت الذي يثبتونه من الآيتين السابقتين فهو نتيجة لسوء الفهم والقول في القرآن بغير علم، فإن المفسرين يقولون أن قوله تعالى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} إنما نزل في امرأة قالت: لماذا يختص الرجال بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء؟ فضلا عن أن المعنى المطلق للآية نهي عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل، ويجدر أن نلتفت إلى استعمال الفعل "يتمنى" فهو يقال ويراد به ما لا سبيل إلى تحقيقه من الأمور المستحيلة أو العسيرة، وليس أكثر عسرًا من الاكتفاء بالحلم دون عمل، فهو إحساس منحرف يؤدي إلى الحسد والبغضاء، فالآية إذن دعوة عامة إلى الناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل في إنتاج عملي يفيد منه المجموع، بدلا من التمني مع القعود.
أما قوله تعالى:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} فهو نهي للناس عن أن تستبد بهم شهوات الأرض فتشغلهم عن مهمتهم في الجهاد في سبيل الله وإحقاق الحق ورفع الظلم وحماية المستضعفين وكل أنواع الجهاد هذه تَحْرِم من ينهض بأعبائها من كثير من المتاع الدنيوي، ولكن الله يجزيهم عنه في الآخرة ما هو أبقى وأفضل، وهي تفاسير قديمة من قبل الشيوعية وضفادعها بألف عام، ولم تستحدث من أجلهم.
ومع ذلك فحتى لو افترضنا جدلا أن هذه الآيات وأشباهها تدعو المسلمين إلى الرضى بالواقع وعدم التطلع إلى ما بأيدي الآخرين فليس في هذه الدعوة بأس طالما كان الإسلام نفسه الذي يدعو إلى هذا يدعو في نفس الوقت الأغنياء ألا يستأثروا بأموالهم دون إنفاقها في سبيل الله، ويهددهم بما ينالهم من العقاب في الآخرة على هذه الأثرة البغيضة؛ لتتعادل كفتا الميزان؛ إنفاق من جانب لحق معلوم في أموال الأغنياء، واحتفاظ بالكرمة عن ذل