للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغيره، وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئًا, أخاف أن يخبر به رب السماء, فأتى جبريل -عليه السلام- النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا, فأقروا: فأنزل الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} , وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء.

وكان ثابت بن قيس بن شماس يحب أن يجلس إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه سلم؛ لأنه كان في أذنه وقر, فكان إذا أتى أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فجاء يومًا وقد أخذ الناس مجالسهم, فجعل يتخطى الرقاب ويقول: تفسحوا تفسحوا، فقال له رجل: قد أصبت مجلسًا فأجلس، فجلس ثابت مغضبًا، فغمز الرجل فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة, وذكر أمًّا كانت له يعيَّرُ بها في الجاهلية، فنكَّس الرجل رأسه استحياءً، فأنزل الله -سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} ١ الآية, وقيل أيضًا: إن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ٢. نزلت في ثابت بن قيس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الذاكر فلانة؟ فقال ثابت: أنا يا رسول الله, فقال: انظر في وجوه القوم, فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت؟ فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلّا في الدين والتقوى٣.

لقد كان كلام الله بالنسبة لهم المنهاج اليومي الذي يتلقونه ليعملوا به فورًا, فلا يتخلَّف أحدٌ منهم ولا يتباطأ منهم فرد, بل يسارعون إلى التنفيذ والتلبية.


١ الحجرات: ١١.
٢ الحجرات: ١٣.
٣ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري: أسباب النزول, الطبعة الثانية "١٣٧٨ هـ - ١٩٨٦م" مكتبة ومطبعة مصطفى البابي بمصر.

<<  <   >  >>