عرف ذلك فإن كل عسير عليه يهون؛ والراحة موصولة بالعناء، والبقاء مقرون بالفناء؛ والملك سبب للعزل، والجد موجب للهزل؛ فرحم الله امرءا نظر لغده، وما جر المهالك إلى نفسه بيده؛ ونظر إلى الدنيا شزرا، وعلم أن مع مدّها جزرا، والسلام.
وذهب يوما إلى ديوان عميد الملك سيد الوزراء أبي نصر الكندريّ «١» - وكان المجلس غاصا بكبار الشخصيات-، فأشار بيده إلى عميد الملك، وبدأ بتلاوة هذه الآية وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ، وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ
«٢» ، فاغرورقت أعين جميع الحاضرين فجأة بالدموع ونالوا نصيبهم من تلك الموعظة، وكلما أراد عميد الملك أن يخلع عليه رفض قائلا: إنني أريد إنعاما عاما، وهو العدل، وليس الإنعام الخاص، لأن الإنعام الخاص لا يثمر شيئا في أيام [١١١] الظلم والجور، بينما كان الإنعام العام سبب عمارة العالم، فقال عميد الملك:
إنه لمن المؤسف، إن يقيم من هو مثلك في الرستاق «٣» ، فقال: أيها الوزير: إن الطريق من كل البقاع والمواطن إلى عرصات القيامة واحدة، وليس هناك طريق أبعد أو أقرب من غيره، فبكى عميد الملك طويلا وأمر أن يغلق الديوان إلى آخر ذلك اليوم.
فلما أراد جدي الانصراف قال: أيها الوزير! لا تغفل عن تلك النار ذات اللهب المتصاعد، ولا تجعل حطام دنياك وقودا لنار جهنم، واعلم أن لنفسك عليك حقا، وحقها أن تعتقها من عذاب الله تعالى بما أعطاك الله.
وقد كتب الوزير أبو العلاء محمد بن علي بن حسول «٤» - الذي كان وزيرا لمجد