شعبانها (سنة ٥٣٦ هـ) فأزعجني عنها حسد الأقارب فخرجت منها خائفا أترقب في رمضان سنة سبع وثلاثين (وخمس مئة) إلى نيسابور، فأكرمني أكابرها، فكنت أعقد المجلس في يوم الجمعة بجامع نيسابور القديم، ويوم الأربعاء في مسجد المربع، ويوم الاثنين في مسجد الحاج، وتفد عليّ وفود إكرام الوزير ملك الوزراء طاهر بن فخر الملك وإكرام أكابر الحضرة. فألقيت العصا بنيسابور وأقمت بها إلى غرة رجب سنة تسع وأربعين وخمس مئة، ثم ارتحلت عنها لزيارة والدتي» «١» ، أي إلى بيهق، فمن غير المعقول أن يكون قد مكث بنيسابور لو كان الغز دخلوها في ٥٤٨ هـ، وإن اعتماد ابن الأثير على كتاب مشارب التجارب للبيهقي في تدوين وقائع اجتياح الغز لخراسان يجعلنا نعتمد بدورنا عليه في تسلسل هذه الوقائع التي كان السبب فيها أن الغز قتلوا ولدا لقماج أحد قادة سنجر، وقد التزموا بدفع الدية بمبالغ مضاعفة وتسليم القاتل إليه، لكنّ هذا أصر على حربهم، فحاربوه وهزموه، فشكا ذلك إلى سنجر، فبادر الغز إلى التضرع والخضوع وتعهدوا بمضاعفة الدية وأموال الخراج وتسليم القاتل، فرفض سنجر ذلك العرض مندفعا بعناده وتحريض قائده قماج. فلما رأى الغز ذلك استبسلوا للدفاع عن أنفسهم وقرروا خوض حرب مصيرية، فألحقوا الهزيمة النكراء بسنجر وأسروه، ثم اندفعوا يدمرون كل شيء «٢» .
يقول ابن الأثير في حوادث ٥٤٨ هـ: في المحرم انهزم السلطان من الأتراك الغ، ثم دخلوا بلخ حيث «أكثروا القتل في العسكر والرعايا واسترقوا النساء والأطفال وعملوا كل عظيمة وقتلوا الفقهاء وخربوا المدارس ... ودخلوا مرو (في رجب ٥٤٨ هـ)«٣» . ثم ولّوا على نيسابور واليا فقسط على الناس كثيرا وعسفهم وضربهم،