ثامنًا: الشدائد لا تؤثر في عزائم أصحاب المبادئ والإيمان والقيم الإسلامية، لقد خرج المسلمون من هذه المحنة -على قساوتها وشدتها- أقوى، لا تلين لهم قناة ولا تهون لهم عزيمة، لقد استمروا في ثباتهم على طريق الهدى والتقى، والإصرار على محاربة الشرك، ومطاردته والقضاء عليه.
التشكيك في القرآن الكريم وإثارة الشبهات:
فقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه، بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن: أضغاث أحلام يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون: بل افتراه من عند نفسه، ويقولون: إنما يعلمه بشر، وقالوا:{إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}، أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه، وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، وأحيانًا قالوا: إن له جنًّا أو شيطانًا يتنزل عليه، كما ينزل الجن والشياطين على الكهان. قال تعالى ردًّا عليهم:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}(الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢) أي أنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جربتم عليَّ كذبًا، وما وجدتم فيَّ فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشياطين؟!
وأحيانًا قالوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم: إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعاني، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة، كما يصيغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر. قال تعالى ردًّا عليهم:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}(الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٦).
فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء، ليست واحدة منها للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فالذين اتبعوه هداة مهتدون متقون صالحون، في دينهم وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم،