للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد ودين واحد وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء، وأين الشعر والشعراء منه؟!

هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن والإسلام، ومعظم شبهاتهم كانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة، وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية، وبيَّن عجز آلهتهم عجزًا لا مزيد عليه، ولعل هذا كان مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدى إلى ما أدى إليه.

أما شبهاتهم في رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا، والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم، فلما أعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نبوته ودعا إلى الإيمان به تحيروا، وقالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} وقالوا: إن محمدًا بشر، {مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ}، فقال تعالى ردًّا عليهم: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} (الأنعام: ٩١) وكانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر، ورد عليهم أيضًا بأن كل قوم قالوا لرسلهم -إنكارًا على رسالتهم: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا}، فـ {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}.

فالأنبياء والرسل لا يكونون إلا بشرًا، ولا منافاة بين البشرية والرسالة، وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم وإسماعيل وموسى -عليهم السلام- كانوا رسلًا

<<  <   >  >>