وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجري في الدنيا، فالظالم يموت دون أن يلقى جزاءه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والفاجر المسيء يموت قبل أن يعاقَب على سوء عمله، فإن لم يكن بعث ولا حياة ولا جزاء بعد الموت لاستوى الفريقان، بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح، وهذا غير مقبول إطلاقًا.
ولا يتصور من الله أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساد. قال تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(القلم: ٣٥، ٣٦) وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}(ص: ٢٨) وقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}(الجاثية: ٢١) وأما الاستبعاد العقلي فقال تعالى ردًّا عليه: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ}(النازعات: ٢٧) وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الأحقاف: ٣٣) وقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ}(الواقعة: ٦٢).
وبيَّن ما هو معروف عقلًا وعرفًا، وهو أن الإعادة أهون عليه، وقال:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}(الأنبياء: ١٠٤) وقال سبحانه: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}(ق: ١٥).
وهكذا رد على كل ما أثاروا من الشبهات ردًا مفحمًا يقنع كل ذي عقل ولُب، ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين، يريدون علوًّا في الأرض، وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون.