وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء، وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا، حتى أَثَّر ذلك في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}(الحجر: ٩٧) ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق، فقال:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر: ٩٩،٩٨) وقد أخبره مِن قَبل أن يكفيه هؤلاء المستهزئين، حيث قال:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}(الحجر: ٩٥، ٩٦).
وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالًا عليهم، فقال:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}(الأنعام: ١٠).
٢ - الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين:
كان المشركون يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن، ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس، ويثيرون الشغب والضوضاء، ويتغنون ويلعبون إذا رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلي ويتلو القرآن. قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}(فصلت: ٢٦).
حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة.
وكان النضر بن الحارث -أحد شياطين قريش- قد قدم الحيرة، ومعه بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم بسفنديار، وفي رواية عن ابن عباس: أن النضر كان قد اشترى قينة، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه اسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(لقمان: ٦).