واخترقت قريش ما كانت تتعاظمه وتحترمه، منذ ظهرت الدعوة على الساحة، فقد صعب على غطرستها وكبريائها أن تصبر طويلًا، فمدّت يد الاعتداء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشويه والتلبيس والتشويش، وغير ذلك.
وكان من الطبيعي أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، فإنه كان أحد رءوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون، فكان عدوًّا لدودًا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش، وقد أسلفنا ما فعل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفا، ورأى رسول الله من المشركين كثير الأذى وعظيم الشدة، خصوصًا إذا ذهب إلى الصلاة عند البيت، وكان من أعظمهم أذى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جماعة سموا لكثرة أذاهم بالمستهزئين.
فأولهم وأشدهم عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، قال يومًا: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أتى ما ترون من عيب دينكم، وشتم آلهتكم، وتسفيه أحلامكم، وسب آبائكم، إني أعاهد الله لأجلسن له غدًا بحجر لا أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بي بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله ينتظره، وغدا عليه الصلاة والسلام كما كان يغدو إلى صلاته، وقريش في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد عليه الصلاة والسلام، احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه من الفزع، ورمى حجره من يده، فقام إليه رجال من قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟!