جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فرجل مُتَقَوِّل، فتروا فيه أمركم.
سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنهم قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار اليهود أن نسأله عن أمور وأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن كذا وكذا، وسألوه عن الأمور التي حددها الأحبار، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم:((أخبركم غدًا عما سألتم عنه))، ولم يستثنِ، فانصرفوا عنه.
ومكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة لا ينزل عليه من الله وحي، ولا يأتيه جبريل -عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعَدَنا محمد غدًا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها، ولم يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وتألم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من انقطاع الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، وبعد خمس عشرة يومًا جاءه جبريل -عليه السلام- من الله -عز وجل- بسورة أصحاب الكهف، وفيها يعاتبه الله على حزنه عليهم، ويخبره عما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطوَّاف، وقول الله -عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}(الإسراء: ٨٥).
فلما أخبرهم بنبأ ما سألوه عنه رجعوا إلى أنفسهم، وعلموا أنه لا طاقة لهم بمواجهة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مواجهة عقلية فكرية، ولذا لجئوا إلى العدوان والإيذاء المادي، ونشر الأكاذيب والمفتريات حول محمد ودعوته".