للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومدى صلاحيتها لمن هاجر إليها من المسلمين، والذي دفعنا لاستخلاص هذا الباعث، أنّ الذين أرسلهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الحبشة كانت لهم منعة وقوة في قومهم، ولم يكونوا من الفقراء والعبيد المستضعفين، بل كانوا من أشراف قومهم، وكانوا ذوي رأي حصيف وخبرة بالناس؛ كعثمان بن عفان وامرأته، وأبي حذيفة بن عتبة وامرأته، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سلمة وزوجه أم سلمة، وعثمان بن مظعون.

وكان من أهداف هذه الهجرة شرح قضية الإسلام، وموقف قريش منه، وإقناع الرأي العام بعدالة قضية المسلمين، على نحو ما تفعله الدول الحديثة من تحرُّك سياسي بشرح قضاياها وكسب الرأي العام إلى جوارها.

ثانيًا: إنَّ القائد دائم التفكير في أمر جماعته وأتباعه، فهو يبحث لهم عن مكان آمنٍ يأمنون فيه على دينهم، وعلى أنفسهم، وعلى ممارستهم لشعائر هذا الدين، وسائر أنواع العلاقات مع الله ومع الناس، والرسول -صلى الله عليه وسلم- القائد والرائد، هداه الله إلى اختيار الحبشة؛ ليأمن أتباعه على أنفسهم.

ثالثًًا: الدين أهم شيء في حياة المسلم، فهو أغلى من النفس والمال والأهل والولد والعشيرة والأقارب والقوم، وإذا اقتضت سلامة الدين مفارقة الأوطان والأولاد والأهل والقبيلة فليكن، وإن كانت هذه الأمور صعبة وشاقّة على النفس، إنَّ الغربة وهجرة الأوطان وَقْعُها على النفس أليم، وهكذا صمّم المهاجرون إلى الحبشة على هجرة الأوطان والإخوان والأقارب في سبيل الحفاظ على دينهم.

رابعًا: جواز الهجرة إلى بلد غير إسلامي، والحياة فيه حتى يأتي الله -عز وجل- بالفرج والنصر، فإنَّ الحبشة كمكة ليست دار إسلام آنذاك، فهما دار كفر، إلّا أنَّ مكة

<<  <   >  >>