لغير الله، وإن كان ملكًا من الملوك، أو عظيمًا من العظماء، أمّا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يعلمنا العلم والعمل به، فإنه قد يعلم كثير من الناس أحكامًا شرعية، ولكنّهم عند العمل ينكصون على أعقابهم، بل إنهم يعملون نقيض ما تعلموه من أحكام، فإنَّ هيبة الملك ورهبة الأحوال وصعوبة الظروف وحساسيتها لم تؤثّر على جعفر وعلى من معه، فلم يسجدوا، وقد رأوا الناس يسجدون، ولم يجدوا حرجًا وقد عاينهم الملك الذي سيقبل بإقامتهم عنده أو يرفضها، ويرجعهم إلى العذاب والفتنة حين قال: ما لكم لا تحيوني كما يحيوني من أتانا من قومكم؟ فقال جعفر: إننا لا نسجد إلا لله.
أقول: جدير بالذين يطأطئون هاماتهم لطواغيت الأرض وقد أغناهم الله عنهم، ويا ليت هؤلاء يطَّلعون على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه في هذا الشأن، يا ليتهم يطلعون على موقف جعفر يقود المهاجرين إلى الحبشة، وهو يرفض أن يسجد للملك، ويقول له دون تلجلج: إننا لا نسجد إلا لله، إنه الإسلام العزيز الذي يهب أصحابه وأتباعه العزة والمنعة والاستعلاء.
عاشرًا: سمات المجتمع الجاهلي:
قد حدثنا عن صفات المجتمع الجاهلي وسماته من اكتوى بنار جاهليته، وعاش فيها أعوامًا من حياته، إنه جعفر بن أبي طالب، فأبوه زعيم مكة، وبنو هاشم أهل الريادة والقيادة والرئاسة فيها، لقد عانى منها في مكة، وعانى منها بعد خروجه من مكة، وحياته في بلاء الغربة، فجاهلية قريش وكل جاهلية تقوم على الشرك وعبادة الأوثان، وإنّ الضد بعكسه تتميز الأشياء، فذكر الإسلام وخصائصه، وتأثيره في نفوس متبعيه؛ من تحرير من الشرك، وتأليه غير الله، وتحريم الزنا، وخطر سفك الدماء، وحرمة أكل الميتة، وحرمة اعتداء القوي