تروي كتب السنة والسيرة أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ماتت زوجته، ومات عمه أبو طالب، الذي كان يدافع عنه وهو على شركه وكفره، ازدادت قريش في إيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتضييق عليه، فتوجّه نحو الطائف؛ حيث تقيم قبيلة ثقيف؛ لعله يجد فيها القبول لدعوته، والنصرة له لتبليغ رسالة ربه، لقد وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، والتقى سادة ثقيف، وهم ثلاثة إخوة، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، وكلمهم في نصرة الإسلام، والقيام معه على من خالفه، فردوا عليه ردًّا قبيحًا، بين ساخر منه ومتهكم عليه، وبين مكذّب له وممتنع عن كلامه؛ إذ قال أحدهم: هو يمرط ستار الكعبة إن كان أرسله الله رسولًا. وقال الثاني: أما وجد الله أحدًا أرسله غيرك. وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا لئن كنت رسولًا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.
ومكثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثقيف يبلّغ رسالة ربه، فما آمن معه أحد على المستوى الشعبي والمستوى الرسمي، فأراد أن يعود إلى مكة، وطلب منهم أن يكتموا خبره عن قريش؛ حتى لا يشمتوا به، ولا يتجرءوا على إيذائه، ففعلوا عكس ما طلب منهم، وأمعنوا في إيذائه، فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وقعد له أهل الطائف صفين على طريقه، فلمَّا مرَّ جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها إلّا رضخوها بالحجارة حتى أدموه، فخلص منهم وهما يسيلان بالدماء.