أمَّا أبو طالب فقد حدثتنا كتب السيرة والسنة عن جهوده لنصرة الرسول -صلى الله عليه وسلم، منها: ما قاله ابن إسحاق: وكان له عضدًا وحرزًا في أمره، ومنعة وناصرًا على قومه. وأمَّا خديجة -رضي الله عنها- فقد كانت له وزير صدق على الإسلام، يشكو إليها وتخفف مصابه، وتسري عنه، وهذا الحزن له أسباب أخرى، وهو ما تَبِع موتها من طمع الأعداء في إيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم، وضعف الاستجابة له ولدعوته في هذه الفترة، التي تلت الوفاة، بل لقد سُدّت السبل في وجهه في مكة وفي خارج مكة، وهذا ولا شك يحزنه حزنًا شديدًا.
لقد امتدت أيدي السفهاء لتخنقه وهو يصلي في ظل الكعبة، وقام سفيه آخر بنثر التراب على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم دخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إحدى بناته، فجعلت تغسل التراب وهي تبكي، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لها:((لا تبكِ يا بنية، فإن الله مانع أباك)).
هذا الصدّ والأذى كان في مكة، وكان في الطائف، وكان في كل مكان يذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه ليبلّغ دعوة ربه -عز وجل-، ويطلب النصرة، وقد كان من ثقيف من الصدِّ والأذى ما هو أشد على نفس النبي -صلى الله عليه وسلم.
إنَّ الأحداث التي جرت بعد الوفاة كان لها أثر أشدّ على نفس النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأحزنته حزنًا شديدًا، وقد نزلت سورة هود بعد عام الحزن بقليلٍ، تواسي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمّا أصابه، وعمَّا واجهه من غطرسة القريب والبعيد، وتحدد رسالته ومهمته بالنذارة والإنذار، قال تعالى:{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}(هود: ١٢).
لقد وضَّحت الآية الضيق النفسي الذي كان يجده في هذه الفترة من مضايقة هؤلاء الكفار.