وبعد موت أبي طالب بقليل من الأيام توفّيت زوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها، أم المؤمنين، وسيدة نساء أهل الجنة في الجنة، وقد وقفت بجانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وآمنت برسالته، بل هي أول من آمن من الناس بهذا الدين، وشدت من روْع رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وواسته بمالها ورجاحة عقلها، تخفف ما يجد من عنت المشركين، وتهدئ من روعه، وهي تقول له وقد أخبرها أنه خائف على نفسه:"كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر".
لقد حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- على فراق عمه أبي طالب؛ لما علمت من دفاعه عنه إذا اشتدت قريش في إيذائه، حتى قال:((ما نالت قريش مني شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب))، وحزن أيضًا في هذا العام حزنًا شديدًا لموت زوجه خديجة؛ حتى سمى هذا العام بعام الحزن، وكان ذلك في العام العاشر من البعثة.
لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثير الذكر لها بعد موتها، يثني عليها، ويستغفر لها، حتى كان ذلك يؤجّج نار الغيرة في قلب عائشة -رضي الله عنها-، قالت عائشة -رضي الله عنها-: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة، لم يكد يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، فذكرها يومًا، فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوّضك الله عن كبيرة السن، قالت: فرأيته غضب غضبًا، سقطت في خلدي البال والقلب والنظرة وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء، فلمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لقيت قال: كيف قلت؟! والله لقد آمنت بي إذ كذَّبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورُزقت منها الولد وحرمتموه مني)).
إن مما لا شك فيه أنَّ موت أبي طالب كان محزنًا للنبي -صلى الله عليه وسلم، وكان أشد حزنًا له موت زوجه خديجة -رضي الله عنها؛ لما قدّمه أبو طالب وقدمته خديجة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم،