للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرج، فقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: ٧٨) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: ١٨٥) فالحيطة والحذر، والأخذ بالأسباب، والتخفي من العدو، أمور مشروعة ومستحبة، أخذ بها الرسول -صلى الله عليه وسلم، وعمر لم يأخذ بها، والاقتداء بالرسول في هذه الأمور مطلوب، وعدم الحيطة والحذر مرفوض في الشرع على عمومه.

ويمكننا أيضًا أن نستخلص من فعل عمر في الهجرة على النحوِّ الذي هاجر فيه، وإقرار الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، وعدم إنكاره عليه هجرته على هذه الصورة، جواز أن يتحدّى الفرد العدو الكثير من المشركين، معتزًّا بإيمانه وإسلامه.

هذا ولقد ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسلوب الهجرة وطريقها إلى المسلمين، فاتخذوا أسلوب السرّية، وهو ينسجم مع طبيعة المرحلة الدعوية، وشعارها: سرّية التنظيم، فالحركة كانت سرّية، وكان المشركون يفتنون من هاجر ويمنعونه ويؤذونه، أمّا عمر فقد خرج مهاجرًا علنًا يتحمّل مسئولية إعلانه، ووفقه الله لإرهاب عدوه، وقد استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهجرته، فأذن له.

أجواء مكة بعد رحيل المسلمين منها:

ذكر البخاري أن أوّل من هاجر إلى المدينة مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم، وذكر ابن إسحاق وابن سعد أنّ أول من هاجر هو أبو سلمة بن عبد الأسد، وجزم بذلك موسى بن عقبة، وقد جمع الحافظ بن حجر بين ما ذكره البخاري وأصحاب السير، بحمل الأوّليّة على صفة خاصة، هي أنّ أبا سلمة خرج لها لقصد الإقامة بالمدينة، بخلاف مصعب، فكان عليه نية الإقامة بها؛ ليعلّم من أسلم من أهلها، فلكلٍّ أولية من جهة.

<<  <   >  >>