إن كتب السيرة النبوية تروي لنا أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اهتمَّ بالمؤسسات التربوية، وهي المساجد، وقبل أن يصل إلى المدينة قد أقام في قباء مسجدًا، سمِّي مسجد قباء، وهو أوّل مسجد في الإسلام، صلى فيه أيامًا، ثم سار بعد ذلك، فأدركته الصلاة يوم الجمعة عند بني سالم بن عوف، فبنى عندهم مسجدًا، وصلى فيه بهم الجمعة، وكانت أول جمعة في المدينة، واشترى الأرض من وليّها، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنبش قبور المشركين التي فيها، وقطع نخيلها، ونقِلَت عظام الموتى، ثم بنى مسجده، وهو المسجد النبوي اليوم، والصلاة فيه بألف صلاة.
وحديث بناء المسجد في أرض الغلامين اليتيمين رواه الإمام البخاري في صحيحه.
إنّ الملفت للنظر اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد والإكثار منها، وهذا يدل على مكانة المسجد في الإسلام وأهميته، والذي يدقّق النظر في وظيفة المسجد ورسالته، يجد له أكثر من وظيفة، فهو مكان لتأدية الصلاة، ومكان للتربية، يربِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين رجالًا ونساءً وشيوخًا وغلمانًا، ويعلمهم القرآن، فهو بمثابة المدارس والمعاهد والجامعات.
وكان المسجد منبر إعلام وإشعاع فكري بالنسبة للمسلمين، يجتمعون فيه للبحث في قضاياهم العامّة، يتعارفون فيه، يتكاتفون ويتكافلون، ويتزاورون ويتحابون، ويحدثهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قضاياهم، ويقدم لهم الحلول، وكان يحدثهم عن أحوال الغزوات أحيانًا، كما حدث في سرية مؤتة؛ إذ أخبر المسلمين بمجريات الأمور أثناء وقوع الغزوة، بعد أن جمعهم في المسجد، فقال -صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، إنهم انطلقوا حتى لقوا العدو، فأصيب زيد بن حارثة شهيدًا، فاستغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشدَّ على القوم حتى قُتِل شهيدًا، اشهدوا له بالشهادة، فاستغفروا له، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن