إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثّر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلّق، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلّا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله وصفوته من خلقه، وهذه خزانتك! فقال: يابن الخطاب، ألَا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى، قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإنّ الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر، والمؤمنون معك، وقلّما تكلمت، وأحمد الله بكلام إلّا رجوت أن يكون الله مصدق قولي، والذي أقول، ونزلت هذه الآية آية التخيير:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}(التحريم: ٥) وقوله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}(التحريم: ٤) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي، فقلت: يا رسول الله، أطلقتهن؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلق رسول الله نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: نعم إن شئت، فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه، وحتى كشر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغرًا، ثم نزل نبي الله ونزلت)).