ثمامة وأطلقوه، ففكوا وثاقه وأطلقوه، غادر ثمامة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومضى، حتى إذا بلغ نخلًا من حواشي المدينة فيه ماء، أناخ راحلته عنده، وتطهر من مائه، فأحسن طهوره، ثم أعاد أدراجه إلى المسجد، وما إن بلغ حتى قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ثم التفت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا محمد، والله ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، وقد أصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الأديان كلها إليّ، ووالله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح أحب البلاد كلها إلي، ثم أردف قائلًا: لقد كنت أصبت في أصحابك دمًا، فما الذي توجبه عليّ؟
قال -عليه الصلاة والسلام- مبشرًا لثمامة: لا تثريب عليك يا ثمامة، فإن الإسلام يجُبّ ما قبله، وبشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه، فانبسطت أسارير ثمامة، وقال: والله لأصيبنّ من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعنّ نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك.
ثم قال: يا رسول الله، إني خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبماذا تأمرني أن أفعل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: امضِ لأداء عمرتك، ولكن على شرعة الله ورسوله، وعلمه ما يقوم به من المناسك.
مضى ثمامة إلى غايته، حتى إذا بلغ بطن مكة، ووقف يجلل بصوته العالي قائلًا: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فكان ثمامة أول مسلم على ظهر الأرض دخل مكة ملبيًا، سمعت قريش صوت التلبية والتوحيد، فهبت مغضبة مذعورة، استلّت السيوف من الأغماد، اتجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الرجل الذي اقتحم عليها عرينها، ولمّا أقبل