القوم على ثمامة رفع صوته بالتلبية والتوحيد، وهو ينظر إليهم بكلِّ كبرياء وعزة، فهمّ فتًى من فتيان قريش أن يرديه بسهم، فأخذوا على يديه، وقالوا: ويحك! أتعلم من هذا؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة، والله إن أصبتموه بسوء قطع قومه عنكم النيرة وأماتونا جوعًا، ثم أقبل القوم على ثمامة بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها، وقالوا: ما بك يا ثمامة؟ أصبوت وتركت دينك ودين آبائك، قال -رضي الله عنه-: ما صبوت، ولكني تبعت خير دين، اتبعت دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم أردف في كل عزٍّ وافتخار: أقسم برب هذا البيت، إنّه لا يصير لكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها، ولا شيء من خيراتها حتى تتبعوا دين محمد عن آخركم، رسول الله.
اعتمر ثمامة بن أثال على مرأى من قريش كما أمره -عليه الصلاة والسلام- أن يعتمر، ذبح تقربًا إلى الله، لا إلى الأنصاب والأصنام، ومضى إلى بلاده فأمر قومه أن يحبسوا النيرة عن قريش، وأن يقاطعوا قريشًا حتى ترضخ وتعتذر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فاستجابوا له وأطاعوا أمره، قطعوا خيراتهم عن أهل مكة.
أخذت المقاطعة والحصار الذي فرضه ثمامة على قريش يشتد شيئًا فشيئًا، حتى ارتفعت الأسعار على قريش، فشا فيهم الجوع، اشتد فيهم الخوف، حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم أن يهلكوا جوعًا، عند ذلك خضعوا وذلوا وكتبوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- يتوسلون ويقولون: إن عهدنا بك إنك تصل الرحم، وتحض على ذلك، وهأنت قد قطعت أرحامنا، فقتلت الآباء بالسيف، وأمتّ الأبناء بالجوع، وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا وأضرّ بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث إلينا بما نحتاج إليه فافعل، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم- الرحمة المهداة، إلا أن كتب إلى ثمامة بأن يطلق إليهم ميرتهم، فأطلقها.