ظلّ ثمامة ما امتدت به الحياة وافيًا لدينه، حافظًا لعهد نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلمّا التحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، وطفق العرب يخرجون من دين الله ذرافات ووحدانا، وقام مسيلمة الكذاب في بني حنيفة يدعوهم إلى الإيمان به، وقف ثمامة موقفًا شجاعًا في وجه مسيلمة الكذاب، وقال لقومه: يا بني حنيفة، إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه، إنه والله لشقاء كتبه الله -عز وجل- على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به، ثم قال: يا بني حنيفة، إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد، وإن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا نبي بعده، ولا نبي يشرَك معه، ثم انحاز بمن بقي على الإسلام من قومه، وأخذ يقاتل المرتدين جهادًا في سبيل الله وإعلاء لكلمة الله، فجزى الله ثمامة بن أثال عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأكرمه بعد ذلك بالجنة التي وعد الله بها المتقين.
فلنا مع هذه القصة عبر وعظات ودروس ووقفات، وقد ضرب لنا -عليه الصلاة والسلام- أروع الأمثلة وأجمل الصور في فنّ تعامله، وتنوعه في أسلوبه في دعوته، وعرض رسالته صلوات ربي وسلامه عليه، فمن تلك الدروس:
أولًا: يجب على الدعاة إلى الله أن ينوّعوا في أساليب النصح إلى الله؛ فتارة يكون بالمخاطبة والمحاورة، وتارة يكون بالمكاتبة والمراسلة، كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثانيًا: يجب أن نتحلى ويتحلى الدعاة إلى الله بالحكمة والبيان والموعظة والإحسان، كما قال الله سبحانه وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل: ١٢٥) فقد أحسن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ثمامة حتى أسلم ثمامة.
ثالثًا: لا بد من استئلاف قلوب الناس بالكلمة الطيبة والعطاء والمساعدة، فقد أكرم -عليه الصلاة والسلام- ثمامة أيّ إكرام، مع أنه من أعداء الله ورسوله، فكان ذلك الإحسان سببًا في إسلامه.