للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسم وشرف إلّا تصدى له، فدعاه على الله وعرض عليه ما عنده، ولم يكتفِ -صلى الله عليه وسلم- بأهل مكة ومن كان يأتيها، وإنما ذهب إلى خارجها، ذهب إلى الطائف يدعو أهلها، فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعاهم إلى الله، ونسأل هنا: لماذا كان المدعوّ يؤتى ويدعى ولا يأتي؟ والجواب على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: إن وظيفة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- التبليغ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة: ٦٧) وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور: ٥٤) وهذا التبليغ قد يستلزم نقلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى مكان من يراد تبليغه؛ لاحتمال عدم وصول خبر الدعوة إليه، أو إنها وصلته بصورة غير صحيحة، أو وصلته بصورة صحيحة ولكن لم ينهض، فيأتي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليسمع منه، فلأجل هذه الاحتمالات كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأتي إلى أماكن الناس لتبليغهم الدعوة إلى الله.

الوجه الثاني: شفقته -صلى الله عليه وسلم- على عباد الله، وحرصه على هدايتهم، وتخليصهم من الكفر، كل ذلك كان يحمله على الذهاب إليهم في أماكنهم ومنازلهم، ويبلّغهم الدعوة إلى الله.

الوجه الثالث: إن البعيد عن الإسلام قلبه مريض، ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم، ولا يحسون به، فلا يشعرون بالحاجة إلى علاجه، فلا بدّ من إخبارهم بمرضهم من قِبَل الرسل الكرام، ولا ينتظرون مجيئهم إليهم ليخبروهم، بل يذهبون إليهم ويخبرونهم بالمرض والعلاج؛ لأن من أعراض مرضهم إعراضهم عن الدعوة والمجيء إلى صاحبها، وعلى الداعي المسلم أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-

<<  <   >  >>