كما حدث أن استحلّ جماعة من العرب منع الزكاة بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- ويختلف الصحابة في أمرهم: أيقاتلونهم كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاتل الكفار، أم يتركونهم مخافة ألا يقووا على قتالهم، فتضيع هيبة العرب إياهم، وينحاز عمر بن الخطاب إلى القائلين بترك قتالهم، ويشتد في خلاف أبي بكر، ويستدل لما ذهب إليه من الرأي، ويقول لأبي بكر: كيف نقاتلهم وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم)) ويجد أبو بكر مساغًا للردّ عليه، ويقول له: أليس قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذا:((إلّا بحقها)) ومن حقها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه، ويذعن عمر -رضي الله عنه- وينقاد لفهم أبي بكر في الحديث.
ويحارب المسلمين من ارتدّ من العرب، ويحاربون غيرهم، وفي المسلمين كثير ممن حفظ القرآن الكريم، ويموت بعض هؤلاء في حروب الردة وغيرها، فيخاف عمر أن يستحرّ القتل في حفظة القرآن الكريم، فيذهب إلى أبي بكر يلتمس منه أن يجمع القرآن، ويعرضه على ثقات الحفاظ، ويأبى أبو بكر -رضي الله عنه-؛ لأن ذلك شيء لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويحاول عمر إقناعه بأن المصلحة فيما يدعوه إليه، وأن الضرر الذي ينجم عن الامتناع أكثر مما يتعلل به، وينضم إلى أبي بكر جماعة من الصحابة، ولكن إخلاص عمر -رضي الله عنه- في الذي يدعوهم إليه، ما يزال يدفعه إلى مقاولتهم وحجاجهم حتى يشرح الله صدورهم لما شرح له صدر عمر، فيؤخذوا في جمع الصحف والعسب والرقاع والأدم، ويرسم أبو بكر الطريق إلى بلوغ هذه الغاية، ويستقر رأي جميعهم على ما شرح الله له صدور الذين كانوا يختلفون.