كذلك لما أذيع نعي النبي -صلى الله عليه وسلم- هال الخبر بعض أصحابه، حتى غيب عقولهم فاختلفوا: أمات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أم لم يمت، حتى قال عمر بن الخطاب -وهو من هو في- هذا الصدد:"من قال إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات ضربته بالسيف" ووقف أبو بكر -رضي الله عنه- يعلن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد لحق بربه، وأن شأنه في هذا الأمر شأن غيره من الناس، ويتلو على الذين هالتهم المصيبة قول الله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران: ١٤٤) ويسمع عمر المضطرب القويّ الضعيف عن احتمال الفاجعة هذه الآية الكريمة، فيثوب إليه الرشد، ويعلم أنّ وعد الله حق، ويتذكر ما حفظه من قبل من هذه الآية، ومن نحو قوله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(الزمر: ٣٠) ومن نحو قوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}(الأنبياء: ٣٤) فيخضع لقضاء الله، ويؤمن بأن الله تعالى قد اختار لرسوله ما عنده، بعد أن أكمل به الدين الذي رضيه لهم، ويقول:"والله لكأنّي لم أسمع هذه الآية من قبل".
كذلك، اختلفوا في المكان الذي يدفنون فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيذهبون بجثمانه الطاهر إلى مكة فيدفنونه هناك في مقابر آبائه؛ ولأن مكة مكان مولده ومبعثه، ثم فيها البيت الحرام الذي جعله الله قبلته، وفيها قبر أبيه إسماعيل -عليه السلام- أم يذهبون به إلى بيت المقدس فيدفنونه هناك؛ حيث يوجد قبر أبيه الخليل إبراهيم -عليه السلام- وكثير من الأنبياء، أم يبقونه في المدينة؛ لأنها دار هجرته، ومقر أنصاره الذين أظهر الله بهم دينه، ويقف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في هذه المسألة موقف الحكيم الرزين، فيروي لهم، أنّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرّر أن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون، فتجتمع كلمتهم على أن يدفن في حجرة عائشة التي مات بها، وهي في داره -صلى الله عليه وسلم- الملاصقة لمسجده والشارعة أبوابها فيه.