القسم الأول: الاختلاف في مسائل لم تصل فيما بعد من شعار جماعة من أهل الفرق.
القسم الثاني: الاختلاف في مسائل اجتهادية أيضًا، اتخذها قوم من بعدهم تكأة، إمّا للطعن في بعض الصحابة، وإمّا جعلوها أساسًا لنحلتهم، أو استدلوا بها في مسألة من مسائلهم التي اتخذوها شعارًا لهم، وهذا التقسيم يمكن أن يأخذ من قول المؤلف عقيب ذكر الاختلاف في شأن عثمان -رضي الله عنه- وعقيب الاختلاف في عهد علي، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم، ونضرب لك أمثلة من كل واحد من هذين النوعين؛ ليتضح أمرهما اتضاحًا لا نحتاج معه إلى شيء.
لمَّا اشتد الوجع برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لمن حوله من أصحابه:((أأتوني بقرطاس أكتب لكم كتابًا، لا تضلوا بعدي)) فاختلف من حوله: هل يجيئون بقرطاس ليملي عليهم الرسول -صلوات الله وسلامه عليه، أم يكتفون بما علموه من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، وقال عمر بن الخطاب: إن النبي قد غيّبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط في ذلك، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم:((قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع)).
كذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قبيل مرضه الذي عقِبَه انتقاله للرفيق الأعلى، قد جهّز جيشًا، وجعل على رأسه أسامة بن زيد، ولما أخذه المرض توقّف الجيش عن المسير، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته:((جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عنه)) مع هذا اختلفوا أيتمون بعث أسامة إيذانًا للعرب ولغيرهم بأنّ وجع النبي -صلى الله عليه وسلم- ووفاته لم تثنِ عزائم أصحابه عن إتمام ما شرع لهم، أم يبقون أسامة ومن معهم يترقّبون ما يكون من العرب، فقد كان بعضهم يخشى انتقاد العرب، اختلفوا في ذلك قبيل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته، ولكن أبا بكر -رضي الله عنه- أصرّ على اتّباع الأمر، ثقة منه بأن البركة في اتباع أمره -صلى الله عليه وسلم- وأنّ في بعثه إرهابًا لمن تحدثه نفسه من العرب بالانتقاد.