قال محقق هذا الكتاب محمد محي الدين عبد الحميد معلقًا على كلام الأشعري:"اعلم أولًا أنّ أصحاب الرسول كانوا كلهم أجمعون عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعدها على عقيدة واحدة، وطريق واحد، ولم يكن أحدهم ليختلف مع الآخر، إلا في فهمٍ أوتي في كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، يعرضه على أخيه، فإن لم يكن عنده ما يدفعه من سنة أو فهم في كتاب أو سنة، رجع إلى قول أخيه، وتقبله أحسن القبول، إلّا قومًا كانوا يبطنون النفاق ويظهرون الوفاق، كان منهم المعروف في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا أنت نظرت فيما اختلفوا فيه وجدتهم قد اختلفوا في أمور اجتهادية، لا يوجب الخلاف في أحدها إيمانًا ولا كفرًا، بل لا يوجب الخلاف فيها كلها مجتمعة إيمانًا ولا كفرًا، ووجدت أنهم قد كان غرض كل واحد من المختلفين في كل مسألة منها إقامة مراسم الدين، وإدانة مناهج الشرع القويم، بل أنت تجدهم قد اختلفوا في بعض هذه المسائل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم لم يفارق هذه الدنيا، ثم جاء من بعد عصرهم -رضوان الله تعالى عليهم- قوم استغلوا أحيانًا اختلاف الصحابة في بعض المسائل، واتخذوا من هذا الخلاف سبيلًا يسلكونه إلى تفريق كلمة هذه الأمة، وراحوا يلتمسون لبعض وجهات النظر أدلة لم يقتنع بها الذين خالفوا هذا الاتجاه في العصر السابق، بل لعلّ الذين كانوا يرون هذا الاتجاه قد عدلوا عنه، ولم يبقوا متمسكين به، إمّا اقتناعًا بما استدل به من خالفهم، وإما إبقاء على وحدة الأمة واستمساكها، بالإيلاف الذي امتنّ الله تعالى به عليهم؛ إذ لم يكن في أحد الرأيين ما يخالف نصًّا من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهم بذلك يضربون أروع المثل لفناء الفرد في الجماعة الصالحة".
ونستطيع أن نقسّم لك بعد الذي أسلفناه الاختلاف الحاصل في المسائل الاجتهادية بين الصحابة إلى قسمين: