واحدًا من الطائفتين إذن، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أحد الفريقين بالقضاء، ولم يعنفه على اجتهاده.
قال ابن عبد البر:"ونهى السلف -رحمهم الله تعالى- عن الجدال في الله -جل ثناؤه- في صفاته وأسمائه، وأمّا الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى ردّ الفروع على الأصول؛ للحاجة إلى ذلك، وليس الاعتقادات كذلك".
وقال الآمدي:"وإن أفضى الخلاف بين المجتهدين، فإن ذلك غير محذور مطلقًا، فإن جميع الشرائع والملل كلها من عند الله، وهي مختلفة، ولا محذور فيها، وإلا لما كانت مشروعة من عند الله، كيف وأن الأمة الإسلامية معصومة من الخطأ على ما عُرِف، فلو كان الاختلاف مذمومًا ومحذورًا على الإطلاق لكانت الصحابة مع اشتهار اختلافهم وتباين أقوالهم في المسائل الفقهية مخطئة، بل الأمة قاطبة، وذلك ممتنع، وعلى هذا فيجب حمل ما ورد من ذم الاختلاف والنهي عنه على الاختلاف في التوحيد والإيمان بالله ورسوله، والقيام بنصرته، وفيما المطلوب فيه بالقطع دون الظن، والاختلاف بعد الوفاق، واختلاف العامّة ومن ليس له أهلية النظر والاجتهاد".
اختلاف الصحابة:
قال أبو الحسن الأشعري صاحب كتاب (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين): "اختلف الناس بعد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في أشياء كثيرة، ضلّل بعضهم بعضًا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقًا متباينين، وأحزابا متشتتين، إلّا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم".