في القرآن الكريم بهذا المعنى هو من قبيل بيان الواقع، لا من قبيل بيان استحقاقهم فعلًا للشرف والسيادة والقيادة والرئاسة، ويشبه هذا الإطلاق ما ورد في رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رؤساء فارس والروم ومصر، فقد جاء في بعض هذه الرسائل مخاطبة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى رئيس الروم بعبارة: إلى عظيم الروم، فإطلاق هذه العبارة على رئيس الروم من قبيل بيان واقعة، وهو أنه عظيم في نظر الروم؛ لرئاسته لهم، وليس بيانًا لاستحقاقه هذا الوصف.
الملأ والدعوة إلى الله:
والوصف الغالب على الملأ من كل قوم معاداتهم للدعوة إلى الله، فقد قاوموا دعوة الرسل الكرام إلى الله تعالى، وكانوا هم الذين يتولون كبر المقاومة الأثيمة للدعوة إلى الله، ويقودون حملة التكذيب والافتراء والتضليل ضد أنبياء الله تعالى، يدل على ذلك قول ربنا تبارك وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}(سبأ: ٣٤، ٣٥) يخبر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية الكريمة رسولَه محمد -صلى الله عليه وسلم- مسليًا له، أنه ما أرسل من رسول إلى قرية إلّا قال مترفوها وهم أولي القوة والحشمة والثروة والترف والرياسة، وقادة الناس في الشر: لا نؤمن به ولا نتبعه، وقال تعالى عن سيدنا نوح -عليه السلام:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الأعراف: ٥٩) فقال الملأ من قومه: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الأعراف: ٦٠).
فالملأ من قوم نوح هم الذين تصدّوا للدعوة إلى الله، وهم الذين نسبوا نبيهم إلى الضلال المبين، وهذا من أعظم الظلم والصد عن سبيل الله؛ إذ يوصف الحق الذي جاء به نوح من ربه بالضلال، ولكن هذا هو منطق الملأ، وكذلك كان