(تفسير القرطبي): إن هذا لشيء يراد، كلمة تحذير، أي: إنما يريد محمد -صلى الله عليه وسلم- بما يقول الانقياد له، ليعلو علينا، ونكون له أتباعًا، فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه.
ثالثا: الجهالة:
والملأ غارق في الجهالة، ولا يشعر بجهالته، فهو يكفر بربه، ويرد دعوته الكريمة التي بعث بها رسله إلى الناس، ويصفها بأنها ضلال، ويرمي مبلغيها وهم الرسل الكرام بالسفاهة وخفة العقل، ويقلّب الدهماء عليهم، ويكيد ضدهم ويعاديهم، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزخرف: ٢٣) والمترفون هم الملأ، وجوابهم على دعوة رسل الله أنهم وجدوا آباءهم على ملة ودين، وأنهم مقتفون أثرهم، لا يحيدون عن ذلك، وهذا من جهلهم؛ لأن الباطل لا يتابع، وأن الحق أحق أن يتبع، وهذا التقليد الذميم للباطل القديم الذي كان عليه الآباء والأجداد من أعظم أسباب التمرد على الحق، قال تعالى في داء التقليد الذميم:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}(البقرة: ١٧٠) وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}(الأعراف: ١٢٧).
الملأ من قوم فرعون يعتبرون موسى نبي الله والداعي إليه، وأتباعه المؤمنين- مفسدين في الأرض، ويقلّبون فرعون على مقاومتهم والقضاء عليهم، إن جهلهم مع كبرهم وحبهم للرياسة والجاه جعلهم يعتبرون موسى مفسدًا في الأرض.