الملأ هم الملأ في كل زمان ومكان، والملأ بأوصافهم وأخلاقهم التي بينها القرآن الكريم يوجدون في كل مجتمع، وفي كل مكان وزمان، ولهذا فهم يقفون غالبًا في وجه كل دعوة إلى الله تعالى، ويحاربونها بدافع من الكبر الذي يغشى نفوسهم، وبدافع حب الرياسة على الناس، وخوفهم من أن تسلبهم هذه الدعوة الإصلاحية مركزهم ومكانتهم وترفهم، ومما يدل على بقاء الملأ في كل زمان ومكان، معارضين لكل دعوة طيبة خيرة تريد الإصلاح وإيصال الناس إلى خالقهم.
إن الدوافع التي دفعت الملأ من الأقوام الماضية إلى محاربة رسل الله والدعوة إليه، هي نفسها توجد في نفوس الكبراء والمترفين، فالكبر يعلق في النفوس المريضة، والحرص على الرياسة والجاه والمنزلة موجود في النفوس، وإنما ينقمع بالإيمان، والجهل يخيم على مثل هذه النفوس التي تعشق العلوّ في الأرض، وإذا ما دخل أصل الإيمان في نفوس السادة والكبراء والأشراف، فإن هذا الإيمان يبقى ضعيفًا غالبًا، لا يقوى على منعهم من الصد عن سبيل الله، ولا عن محاربة الدعاة إلى الله تعالى بشبهات واهية من جنس شبهات الملأ القدامى، الذين حاربوا رسل الله وصدوا عن دعوتهم المباركة، وقد تنبه المفسرون إلى أن الملأ يبقون معارضين للدعوة إلى الله.
جاء في تفسير ابن كثير بصدد قوله تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الأعراف: ٦٠) قال: وهكذا حال الفجار، إنما يرون الأبرار في ضلالة، وقال أيضًا في مكان آخر من تفسيره: ثم الواقع غالبًا أن من يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته.
المبحث الثاني: جمهور الناس:
تعريف جمهور الناس: نريد من قولنا: جمهور الناس معظمهم؛ لأن جمهور كل شيء معظمه وأكثره، والمقصود بمعظم الناس ما عدا الملأ، وهم عادة قلة،