للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روح التسامح عند المسلمين:

على أن هناك شيئًا آخر لا يدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين، ويلزم بها القضاء، وتشرف على تنفيذها الحكومات؛ ذلك هو روح السماحة التي تبدو في حسن المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان، وهي الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية ولا يغني فيها قانون ولا قضاء، وهذه الروح لا تكاد توجد في غير المجتمع الإسلامي.

تتجلى هذه السماحة في مثل قول القرآن في شأن الوالدين المشركين اللذين يحاولان إخراج ابنهما من التوحيد إلى الشرك: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان: ١٥).

وفي (ترغيب القرآن في البر والإقساط) إلى المخالفين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين قال -سبحانه وتعالى-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: ٨) وفي قول القرآن يصف الأبرار من عباد الله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان: ٨) ولم يكن الأسير حين نزلت الآية إلا من المشركين.

وفي (قول القرآن) يجيب عن شبهة المسلمين في مشروعية الإنفاق على ذويهم وجيرانهم من المشركين المصرّين: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} (البقرة: ٢٧٢).

وقد روى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى أهل مكة مالًا لما قحطوا ليوزع على فقرائهم؛ هذا على الرغم مما قاساه من أهل مكة من العنت والأذى هو وأصحابه، روى الإمام أحمد والشيخان عن أسماء بنت أبي

<<  <   >  >>